10884,63%0,32
40,66% -0,03
47,32% 0,46
4403,01% -0,40
7052,65% -0,05
في خطوة تحمل أكثر من دلالة، حطّت طائرة الرئيس السوري أحمد الشرع في مطار باكو الدولي، معلنةً انطلاق أول “زيارة عمل” رسمية له إلى جمهورية أذربيجان، بدعوة من نظيره الأذربيجاني إلهام علييف. وعلى الرغم من أن عنوان الزيارة الظاهر يدور حول التعاون في قطاع الطاقة – لا سيما ضخ الغاز الأذربيجاني إلى سوريا عبر تركيا – فإن خلفيات الزيارة ومآلاتها المحتملة تشير إلى مسار أوسع من ذلك بكثير: مسار يعيد رسم خريطة التوازنات السورية في إقليم يتغيّر بسرعة.
الغاز بوابة السياسة
تشير المعلومات الأولية إلى أن من أبرز الملفات المطروحة للنقاش بين الجانبين، ملف تزويد سوريا بالغاز الأذربيجاني عبر شبكة خطوط الأنابيب التي تمر من جنوب القوقاز إلى تركيا، ومن ثم إلى الأراضي السورية. هذه الخطوة إن تحققت، فلن تكون مجرد صفقة طاقة، بل تحوّل استراتيجي في تموضع سوريا ضمن شبكات الطاقة الإقليمية، وتحرر تدريجي من الابتزاز الاقتصادي والحصار السياسي الذي عانت منه البلاد لسنوات طويلة.
كما تمثل هذه الخطوة أيضًا رسالة مزدوجة: الأولى إلى القوى الغربية بأن سوريا باتت تجد لنفسها شركاء بدائل في الشرق، والثانية إلى الداخل السوري، بأن البلاد تدخل مرحلة جديدة من البراغماتية والانفتاح الاقتصادي في علاقاتها الخارجية.
لماذا أذربيجان الآن؟
تحتفظ أذربيجان بموقع فريد عند تقاطع آسيا الوسطى، القوقاز، والشرق الأوسط. كما أنها لاعب صاعد في سوق الطاقة العالمي، بفضل احتياطاتها الكبيرة من الغاز الطبيعي ونفط بحر قزوين. وفي السنوات الأخيرة، عززت باكو مكانتها كمزوّد موثوق لأوروبا وتركيا بالغاز، بعد تنامي الطلب الأوروبي على مصادر طاقة بديلة عن روسيا
من هذا المنطلق، تأتي سوريا إلى الطاولة وفي جعبتها عدة أوراق: موقع جغرافي حيوي، حاجات ضخمة لإعادة الإعمار، واستعداد سياسي لعقد شراكات جديدة. وبالنسبة لأذربيجان، فإن الدخول إلى الساحة السورية يمنحها نافذة إلى البحر الأبيض المتوسط من جهة، وإلى قضايا الشرق الأوسط من جهة أخرى
التركمان: الجسر الطبيعي بين دمشق وباكو
لكن العامل الأهم – والذي قد لا يبدو جليًا للوهلة الأولى – هو الحضور التركماني في سوريا، الذي يشكّل رصيدًا تاريخيًا واستراتيجيًا بالغ الأهمية في تهيئة الأرضية لعلاقات سورية-أذربيجانية مستقرة وعميقة
فتركمان سوريا، الذين يزيد عددهم عن ثلاثة ملايين بحسب بعض التقديرات، ليسوا فقط امتدادًا إثنيًا وثقافيًا لأتراك الأذربيجان ، بل هم أيضًا جزء أصيل من النسيج الوطني السوري، يملكون شبكات تأثير في المجالين الاجتماعي والسياسي، خاصة في الشمال السوري ومناطق ريف حلب وفي حمص وحماة واللاذقية وطرطوس ودمشق والجولان وإدلب والرقة
إن الدور الوسيط الذي يمكن أن يلعبه تركمان سوريا، يتجاوز البعد الرمزي إلى أدوار عملية: من تسهيل التفاهمات الثقافية، إلى تشكيل قنوات تواصل اقتصادي وتجاري، إلى تقديم خبرات إدارية وعلاقات ناعمة يمكن أن تسهم في تعزيز الثقة بين الطرفين
هل نحن أمام محور جديد في المنطقة؟
تأتي زيارة أحمد الشرع إلى باكو بعد سلسلة تطورات إقليمية تشير إلى نهاية مرحلة من الاستقطاب الحاد، وبداية تشكل تحالفات مرنة تتقاطع فيها المصالح الاقتصادية مع ضرورات الأمن والاستقرار. فبعد تقارب سوري-تركي متدرج، وزيارات رسمية متبادلة بين دمشق وعدة عواصم آسيوية، تبدو أذربيجان شريكًا محتملًا وطبيعيًا في مشروع “شرق أوسط جديد متعدد الأقطاب”، لا تهيمن عليه دولة واحدة، بل يقوم على التوازن والانفتاح والتكامل الإقليمي
وإذا نجحت هذه الزيارة في بلورة اتفاقيات ملموسة – سواء في مجال الغاز، أو الاستثمار، أو إعادة الإعمار – فإننا قد نشهد بداية محور ثلاثي يربط سوريا – تركيا – أذربيجان، تكون فيه الجغرافيا، والطاقة، والروابط الثقافية المشتركة هي الأساس، بدلًا من الأيديولوجيا أو الصراعات التاريخية
خلاصة: من الرماد إلى المستقبل
زيارة أحمد الشرع إلى باكو ليست مجرد بروتوكول دبلوماسي، بل هي علامة على توجه جديد في السياسة السورية، يتجاوز أسوار العزلة، ويبحث عن تحالفات قائمة على المصالح المتبادلة والتكامل الاقتصادي. وفي هذا السياق، يصبح الحضور التركماني في سوريا أكثر من مجرد “مكوّن إثني”، بل رافعة استراتيجية لتقوية الجسور مع شعوب وثقافات قريبة من وجدانهم وتاريخهم.
فهل تكون هذه الزيارة شرارة بداية لمعادلة جديدة في المنطقة؟ وهل يلعب تركمان سوريا دورهم التاريخي في صوغ هذه المرحلة؟
الأيام القادمة وحدها تحمل الجواب
الدكتور مختار فاتح
#أحمد_الشرع #سوريا #أذربيجان #باكو #الغاز_الأذربيجاني #العلاقات_السورية_الأذربيجانية #تركمان_سوريا #إعادة_الإعمار #التحالفات_الإقليمية #الشرق_الأوسط #السياسة_السورية #الانفتاح_الاقتصادي #الطاقة_في_الشرق_الأوسط #أذربيجان_سوريا #التقارب_السوري_التركي #شرق_أوسط_متعدد_الأقطاب #الدكتور_مختار_فاتح #تحليل_سياسي #المصالح_المتبادلة #الروابط_الثقافية