تاريخ التركمان في سوريا
امتد الوجود التركماني في سوريا إلى عصور قديمة، حيث ارتبط اسمهم بالملاحم التاريخية، ومنها دورهم البارز في التصدي للغزوات الصليبية تحت راية القائد نور الدين زنكي، الذي كان مثالاً يحتذى في الدفاع عن الدين والوطن. واستمرت مساهماتهم خلال العصور الإسلامية المختلفة، حيث امتزجت هويتهم التركمانية بانتمائهم العميق لسوريا وارتباطهم الحضاري بمحيطهم العربي والإسلامي
في العصر الحديث، مع اندلاع الثورة السورية المباركة عام 2011، كان للتركمان دور محوري في الحراك الثوري، حيث أظهروا تضحيات كبيرة في سبيل الحرية والكرامة. برزت أسماء تركمانية كقادة نضال وطني، من أمثال عبد القادر الصالح، قائد لواء التوحيد، الذي أصبح رمزًا للبطولة والتضحية، إلى جانب آخرين كثيرين ممن رفضوا التقسيم والتفرقة، ووقفوا إلى جانب إخوانهم السوريين، بغض النظر عن انتماءاتهم القومية أو الدينية
قضية الانتماء
طرح الكثير من الإخوة العرب السوريين تساؤلات عن انتماء التركمان السوريين، لا سيما في ظل الروابط الثقافية والجغرافية التي تجمعهم مع تركيا. للإجابة عن هذه الإشكالية، لا بد من توضيح النقاط التالية
. المرجعية الرئيسة: الإسلام والوطن
التركمان في سوريا يرون الإسلام مرجعيتهم العليا، باعتبارهم جزءًا لا يتجزأ من الأمة الإسلامية التي دافعوا عنها بسيوفهم ودمائهم وساهموا في بناء مدنيتها. وفي الوقت ذاته، يعتزون بوطنهم سوريا موحدة دون تقسيمها إلى كانتونات طائفية او قومية عرقية ويعتزون بلغتهم التركمانية ونسبهم، تمامًا كما يعتز العرب السوريون بلغتهم ونسبهم دون أي تعارض بين الدين والقومية
. الامتداد الثقافي والجغرافي
مناطق انتشار التركمان في سوريا تشكل امتدادًا ثقافيًا وجغرافيًا لشعوب المنطقة حيث هناك ترابط قومي وأسري بين القبائل والعشائر التركمانية في سوريا وخاصة في شمال سوريا مع الأناضول قطعت برسم الحدود بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية ، كما تشكل مناطق العرب في جنوب تركيا امتدادًا ثقافيًا لبلاد الشام. هذا الترابط الحضاري يعكس وحدة التاريخ والجغرافيا دون أن ينتقص من انتماء أي طرف لوطنه الأم
. علاقات مع تركيا: نظرة مشابهة للعلاقات العربية
ينظر تركمان سوريا إلى تركيا باعتبارها دولة شقيقة تجمعها بهم روابط دينية وحضارية، تمامًا كما ينظر العرب السوريون إلى الأردن أو السعودية أو مصر. التعاون مع تركيا أو الاعتزاز بعلمها لا ينقص من الانتماء لسوريا، كما أن اعتزاز العرب السوريين بعلم فلسطين أو السعودية لا يُلغي انتماءهم الوطني
سؤال المواطنة
يتساءل البعض: هل الروابط الثقافية والقومية بين السوريين وأشقائهم خارج حدود الوطن تعيق بناء دولة المواطنة؟
الإجابة تكمن في فهم حقيقة التنوع السوري. فهذه الروابط ليست عائقًا بل مصدر غنى وثراء للهوية الوطنية السورية. التنوع القومي والديني الذي يجمع العرب، والتركمان، والكرد، وغيرهم، يمكن أن يكون أساسًا لبناء دولة مواطنة شاملة تحترم كل الهويات دون أن تُقصي أي طرف
إن تقبل هذا التنوع يعتمد على رؤيتنا المشتركة للدولة والمجتمع: هل نراها وحدة إقصاء، أم نراها وحدة غنى وتكامل؟
ختامًا
تركمان سوريا ليسوا أقلية، بل هم جزء أصيل من سوريا الوطن، حملوا همومها ودافعوا عنها منذ قرون، وساهموا في نهضتها وحريتها. لقد أثبت التاريخ أن الهوية الوطنية الجامعة تتسع للجميع، وأن الاعتزاز بالجذور القومية والثقافية يمكن أن يكون حجر الأساس لبناء وطن يزهر بالتنوع والعدالة
الدكتور مختار فاتح بي ديلي
طبيب- ناشط سياسي تركماني