في حياتك لم تشبع من شرب الدماء، والآن سأُشبعك من دمائك.
— تومريس خاتون مخاطبة كوروش الكبير، بعد أن قطعت رأسه ووضعته في إناء دماء.
عندما يُكتب التاريخ بانتقائية، يصبح أداة تزييف لا مرآة للحقيقة.
فحين يتجاهل بعض المؤرخين دور الشعوب غير الفارسية، ويطمسون أسماء قادتها وتضحياتهم، فإنهم يُسهمون في قتل الذاكرة الجماعية للأمم.
من هؤلاء الذين سُلب حقهم في الذاكرة التاريخية: الساكا (أو الساخا)، إحدى القبائل التوركية العريقة، وملكتهم العظيمة تومريس خاتون، التي قهرت واحدة من أعتى الإمبراطوريات القديمة.
من هم الساكا؟
قبيلة توركية قديمة من آسيا الوسطى الداخلية، كوّنت كيانًا سياسيًا مستقلًا في وجه التوسع الفارسي.
اعتُبروا من الشعوب المقاتلة والرحّل، ذوي تنظيم قبلي عسكري واجتماعي فريد.
أصل الصراع مع الأخمينيين:
بدأ التوتر مع تمدد الإمبراطورية الأخمينية باتجاه أراضي ساكا.
رفض الساكا الخضوع أو دفع الجزية، مما أدى إلى سلسلة من الحروب.
من هي تومريس خاتون؟
حاكمة ساكا بعد وفاة زوجها، قادت القبيلة بنفسها سياسيًا وعسكريًا.
وُصفت بالحكمة، والصلابة، والذكاء الاستراتيجي.
اعتبرها بعض المؤرخين أول امرأة تحكم دولة حربية واسعة في التاريخ القديم.
كانت محنكة في السياسة، شرسة في ساحة القتال، إنسانة عميقة الحزن على فقدان ابنها، لكنها لم تنكسر.
كوروش الكبير... وزواج مشبوه:
سعى كوروش الكبير إلى الزواج من تومريس بهدف بسط نفوذه على ساكا من الداخل.
رفضت تومريس العرض، لأنها أدركت خبث النوايا.
فقوبلت بالعدوان، واشتعلت الحرب.
المعركة الكبرى والانتقام:
قُتل ابن تومريس في كمين أخميني غادر.
قادت تومريس جيشها في اليوم التالي، وهزمت كوروش في معركة حاسمة.
بعد النصر، وُضِع رأس كوروش في إناء دماء – مشهد رمزي يُجسد نهاية الغطرسة.
أثر تومريس خاتون في الوعي السياسي النسوي:
تُجسّد نموذج القيادة النسائية المبكرة في مجتمعات آسيا الوسطى.
أكدت أن المرأة ليست فقط أمًا ومربية، بل أيضًا قائدة وشهيدة ومنتقم شريف.
ألهمت قصتها العديد من الحركات الثقافية والقصص الملحمية، خصوصًا في الذاكرة التوركية القومية.
درس التاريخ:
الصراع بين ساكا والأخمينيين ليس فقط معركة حدود ونفوذ، بل معركة كرامة، وهوية، ووجود.
وحين تُسلب الحقيقة من التاريخ، يبقى على المفكرين الأحرار أن يعيدوا كتابته بنزاهة.
تومريس خاتون ليست فقط شخصية تاريخية، بل رمز للبطولة والعزة.
نموذج حيّ لامرأة رفضت الخضوع للدهاء الإمبراطوري، وواجهته بالنار والدم.
أظهرت أن المجد لا يُبنى بالخداع، بل بالصمود، وأن التاريخ لا يُكتَب دائمًا بقلم المنتصر.
المصادر:
ترك برس – 23/11/2015
تاريخ إيران قبل الإسلام
دراسات توركستانية في تاريخ الشعوب التركية القديمة
Evet 263 Kişi
Hayır 8 Kişi