في أعماق الخليج، وعلى ضفاف جزيرة صغيرة اسمها هرمز تحورت من اورمز، بزغ نجم سلطان تركماني من سلالة قاشقايّة طورانية، حمل اسمًا يعانق صدى التاريخ، توران شاه، أي ملك طوراني.
لم يكن مجرد حاكم، بل رجل دولة، بحّار، استراتيجي، وحامل لإرث تركماني عريق، جمع بين المجد البدوي والانفتاح البحري.
نسبه وأصله:
يعود السلطان توران شاه إلى سلالة تركمانية قاشقائية، تنحدر جذورها من قبائل الأتراك .
تؤكد المصادر أن الأسرة الحاكمة في مملكة هرمز كانت ذات أصل تركماني طوراني، وأنهم حافظوا على هويتهم رغم امتزاجهم الثقافي بالحضارات المجاورة.
كلمة توران ترمز إلى منطقة آسيا الوسطى التي سكنها الأتراك منذ آلاف السنين.
صعوده إلى الحكم:
تولى السلطان توران شاه الحكم في فترة حساسة كانت فيها مملكة هرمز تتعرض لضغوط خارجية من أبناء جلدتهم من التوركمان، العرب، والبرتغاليين.
عمل منذ بداية حكمه على:
إعادة تنظيم الدولة.
توسيع الأسطول البحري.
بناء تحصينات في جزيرة هرمز.
التحالف مع القبائل التركمانية والعربية في المناطق المجاورة.
إنجازاته الكبرى:
1. السيادة البحرية:
جعل من مملكة هرمز قوة بحرية كبرى في الخليج العربي والمحيط الهندي.
أسس تحالفات تجارية وبحرية مع موانئ الهند وشرق أفريقيا.
تصدى للقراصنة وقاد حملات بحرية ناجحة ضدهم.
2. التنمية الاقتصادية:
حول جزيرة هرمز إلى مركز تجاري عالمي يربط بين الصين والهند والعراق وشرق أفريقيا.
شجع على التجارة الحرة، وأقام سوقًا دوليًا يعج بالبضائع والثقافات.
3. النهضة الثقافية:
دعّم العلماء والمترجمين.
أنشأ مجالس للأدب والشعر والفلسفة.
شجع الترجمة من الفارسية والعربية إلى التركية والعكس.
4. الاستقلال السياسي:
حافظ على استقلال مملكة هرمز عن القوى الكبرى مثل الدولة الإلخانية (المغول)، والدولة الصفوية لاحقًا.
استخدم الدبلوماسية والذهب والقوة لفرض مكانته.
شخصيته وصفاته:
كان حكيمًا صارمًا، وذو شخصية بحرية متقشفة.
قائد ميداني، لا يكتفي بالقصور بل يركب السفن مع جنوده.
يؤمن بالعدالة والنظام، ويحتقر الفساد والرشوة.
كان يحب الأدب والتاريخ، ويقتني الكتب النادرة التي جلبها من الهند وسمرقند.
وفاته وإرثه:
توفي السلطان توران شاه في مطلع القرن الرابع عشر، وقد بكت عليه موانئ الخليج ومدن الهند التي ربطها بسفن هرمز.
خلف وراءه مملكة قوية، حافظت على استقلالها حتى مطلع العهد الصفوي.
يُعد رمزًا للهوية التركمانية القاشقائية في الخليج العربي.
شهادات المؤرخين:
قال عنه المؤرخ الفارسي حافظ أبرو:
كان بحارًا لا يُقاس ، وسلطانًا لا يُهزم في البحر
وذكره الرحّالة الإيطالي ماركو بولو في وصف جزيرة هرمز:
يحكمها ملك من التركمان، يملك الذهب والبواخر، ويؤمن بالعدل والكرم
وفي كتاب تاريخ ملوك البحر للمؤرخ العثماني مصطفى نعيما، كُتب:
توران شاه حمى مملكة هرمز من الزوال، فصار صوته يُسمع من دهلي إلى البصرة.
إن سيرة السلطان توران شاه الهرمزي، لا تقتصر على قصة ملك، بل على هوية حضارية تُثبت الحضور التركماني القوي في قلب الخليج منذ العصور القديمة .
فهو لم يكن فقط حاكمًا، بل رمزًا لوحدة البحر والتاريخ، للتنوع والمجد، للعدل والقوة، للثقافة والكرامة.
Evet 262 Kişi
Hayır 8 Kişi