تل براك في شمال الجزيرة السورية ليس مجرد تل أثري، بل هو مرآة حضارية عكست نشأة أولى المدن المنظمة في تاريخ الإنسانية.
منذ الألف السادس قبل الميلاد، كان مركزًا روحيًا وسياسيًا واقتصاديًا لشعوب السوباريين – الذين يُعتبرون الجذور الأولى للحوريين – والذين بدورهم امتد أثرهم في تكوين حضارات ميزوبوتاميا والشعوب المجاورة.
الانتماء الأول: السوباريون – الحوريون
كان سكان تل براك من السوباريين الذين استقروا في شمال ميزوبوتاميا. هؤلاء شكلوا العمود الفقري للشعوب الحورية – التي ارتبطت أصولها بالحركات البشرية القادمة من الهضبة الإيرانية وآسيا الوسطى.
وهكذا نجد أن المنطقة لم تكن منعزلة، بل كانت معبرًا للتواصل بين الشرق والغرب، والشمال والجنوب.
صلة بالشعوب التركية – التركمانية
عند تتبع السلالات التاريخية، نجد أن الحوريين والميديين ثم الشعوب الآرية الشرقية التي خرجت من آسيا الوسطى، هم جزء من التيار البشري نفسه الذي انحدرت منه لاحقًا الشعوب التركية – ومنها التركمان.
هذا لا يعني أن التركمان أحفاد مباشرون لسكان تل براك، بل إن الخيط الحضاري والإثني ممتد عبر آلاف السنين من آسيا الوسطى حتى شمال بلاد الرافدين.
فالهجرات التركية اللاحقة (ابتداءً من الألف الأول قبل الميلاد وما بعده) استوطنت أراضي كانت مأهولة منذ فجر التاريخ، لتصبح جزءًا من إرثها وحضارتها.
تل براك كجسر حضاري
تل براك يعكس حقيقة أن هذه المنطقة كانت دائمًا ملتقى للشعوب، ومن بين تلك الشعوب أسلاف التركمان الذين جاءوا لاحقًا حاملين معهم ثقافة الفروسية والبداوة والنظم العسكرية، ليمتزجوا مع الإرث السوباري–الحوري–الميتاني–الميدي.
وهكذا نجد أن التركمان في العراق وسوريا اليوم هم امتداد لسلسلة طويلة من الحركات التاريخية التي لا تنفصل عن حضارة تل براك.
تل براك لم يكن فقط مدينة العيون الروحية، بل أيضًا جسرًا تاريخيًا يربط شعوب آسيا الوسطى بميزوبوتاميا.
وإذا كان السوباريون والحوريون هم أجدادًا حضاريين، فإن التركمان وغيرهم من شعوب المنطقة هم الامتداد الطبيعي لهذه المسيرة، يضيفون فصلًا جديدًا في قصة طويلة من التفاعل الحضاري.