يعود وجودهم في سوريا إلى قرون طويلة، حيث استوطنوا مناطق عديدة مثل حلب، حمص، حماة، اللاذقية، إدلب، دمشق، الرقة، دير الزور، ودرعا، وكان لهم دور بارز في مختلف المراحل التاريخية
لم ينظر التركمان إلى أنفسهم ككيان منفصل، بل كانوا دائمًا جزءًا فاعلًا في الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية، محافظين على انتمائهم الوطني ومساهمين في بناء الدولة. يتحدثون إلى جانب العربية لغتهم التركمانية، ويمارسون عاداتهم وتقاليدهم التي تتكامل مع الثقافة السورية
لقد أسهموا في الدفاع عن البلاد، وشاركوا في مختلف المحطات الوطنية، وكانت لهم بصمات واضحة في المجالات السياسية والاقتصادية والثقافية. وبفضل حضورهم التاريخي العريق، يظل التركمان ركنًا أساسيًا من الهوية السورية، يؤكدون على وحدة الأرض والشعب، ويساهمون في نهضة البلاد ومستقبلها
قدم تركمان سوريا تضحيات كبيرة في سبيل الحرية والكرامة، إلا أن تمثيلهم السياسي لا يزال ضعيفًا، وغير قادر على التأثير الفعلي في المشهد السوري. يعود هذا الضعف إلى عدة عوامل، من بينها غياب القيادة القوية، الفساد داخل المؤسسات التركمانية، وانعدام رؤية استراتيجية واضحة لدور التركمان في سوريا المستقبل. لذا، أصبح من الضروري العمل على إصلاح المجلس التركماني وتعزيز دوره ليكون الممثل الحقيقي للتركمان في المحافل السياسية المحلية والدولية
إصلاح المجلس التركماني: نحو تمثيل حقيقي وفعّال
لتحقيق إصلاح حقيقي للمجلس التركماني وضمان تمثيل أقوى لتركمان سوريا، لا بد من اتخاذ الخطوات التالية
. إعادة الهيكلة وتعزيز الشفافية
تشكيل هيئة رقابية مستقلة لمحاسبة الفاسدين والمتلاعبين داخل المجلس وإبعادهم عن مراكز القرار.
- وضع معايير واضحة لعضوية المجلس، بعيدًا عن المحسوبيات والعلاقات الشخصية.
تعزيز الديمقراطية الداخلية من خلال انتخابات نزيهة وشفافة تضمن تمثيل جميع مكونات المجتمع التركماني.
. إشراك النخب والكفاءات التركمانية
تفعيل دور المثقفين، الأكاديميين، وأصحاب الخبرة في العمل السياسي والإداري.
تمكين الشباب التركماني من الوصول إلى مواقع القيادة.
إقامة ندوات ومؤتمرات لتعزيز الحوار بين مختلف مكونات المجتمع التركماني، وتوحيد الرؤى حول مستقبلهم في سوريا.
. تبني رؤية سياسية واضحة
تحديد أهداف استراتيجية لمستقبل التركمان في سوريا، بما يشمل ضمان حقوقهم السياسية والإدارية والثقافية في سوريا موحدة أرضًا وشعبًا.
تعزيز العلاقات مع القوى السياسية السورية العربية وغيرها وغيرها من القوى الصديقة في الدول الداعمة للشعب السوري عامة والتركماني خاصة ، خصوصًا تركيا وأذربيجان ، وجمهوريات آسيا الوسطى التركية بحيث تكون التركمان جسر الصداقة بين سوريا وبين هذه الجمهوريات .
تبني سياسة متوازنة تحافظ على وحدة سوريا ارضاً وشعبا ، مع ضمان الحقوق التركمانية الاجتماعية والثقافية والسياسية .
. تعزيز الحضور في المحافل الدولية
توثيق الانتهاكات التي تعرض لها التركمان في فترة نظام الدكتاتوري الاسدي وتقديمها إلى المنظمات الحقوقية الدولية.
- إنشاء مراكز دراسات متخصصة لطرح القضية التركمانية ضمن المحافل الدولية.
أولويات المجلس التركماني في المرحلة القادمة
. تمثيل التركمان في أي مفاوضات مستقبلية حول سوريا.
. حماية الحقوق الثقافية والسياسية والاجتماعية للتركمان في الدستور السوري الجديد.
. تعزيز الهوية والثقافة التركمانية عبر مؤسسات تعليمية وإعلامية متخصصة.
. بناء تحالفات وطنية مع مختلف مكونات الشعب السوري لضمان حماية مصالح التركمان.
. تحقيق التنمية المستدامة في المناطق التركمانية من خلال مشاريع اقتصادية ودعم البنية التحتية.
دور المجلس التركماني في بناء سوريا الحرة
المساهمة في إعادة الإعمار، خصوصًا في المناطق التي يقطنها التركمان.
- المشاركة الفعالة في الحياة السياسية من خلال دعم المرشحين التركمان الأكفاء في الهيئات الانتقالية والحكومية المستقبلية.
تعزيز الاندماج الإيجابي مع المجتمع السوري، مع الحفاظ على الهوية التركمانية.
إصلاح المجلس التركماني لم يعد خيارًا، بل أصبح ضرورة لضمان حقوق التركمان في سوريا المستقبل. تحقيق ذلك يتطلب إرادة تغيير حقيقية، ورفض الفساد والمحسوبية، والانفتاح على الكفاءات، مع تبني سياسات تعكس تطلعات أبناء الشعب التركماني.
نحو وحدة الصف التركماني في سوريا: رؤية للإصلاح والتوافق السياسي
تشهد الساحة التركمانية السورية حالة من الانقسام بين المجلس التركماني السوري من جهة، ومنظمات المجتمع المدني التركماني، بما في ذلك الجمعيات والاتحادات والأحزاب التركمانية، من جهة أخرى. هذا الانقسام يضعف موقف التركمان في سوريا، ويقلل من قدرتهم على التأثير في القضايا الوطنية والإقليمية. لتحقيق توافق سياسي وإصلاح داخلي، يجب اتخاذ الخطوات التالية:
. إنشاء هيئة وساطة محايدة
يجب تشكيل لجنة مستقلة تضم شخصيات تركمانية ذات مصداقية، من مثقفين وأكاديميين غير منحازين، تعمل على:
- تحديد نقاط الخلاف الجوهرية بين الأطراف المختلفة.
- وضع آليات للحوار والتفاوض البنّاء.
تقديم حلول وسط تضمن تمثيلًا عادلًا لكافة التيارات التركمانية.
. إصلاح المجلس التركماني وضمان التعددية
إعادة فتح قنوات التواصل مع الشخصيات المبعدة بسبب الخلافات السياسية، والعمل على استيعابها من جديد.
- تعديل النظام الداخلي للمجلس لضمان تمثيل جميع التيارات التركمانية.
اعتماد آلية ديمقراطية داخل المجلس لتجنب احتكار القرار من قبل مجموعة معينة.
. بناء رؤية سياسية موحدة
تحديد أولويات التركمان في سوريا، بما يشمل تعزيز حقوقهم السياسية والثقافية.
تنسيق المواقف مع القوى الوطنية السورية العربية والكردية وغيرها، لضمان دور فعال للتركمان في مستقبل سوريا السياسي.
. تعزيز العمل المؤسساتي بدلًا من الخلافات الشخصية
إنشاء مجلس تنسيقي يجمع كافة الجهات التركمانية، ليكون منصة للحوار والتنسيق المشترك.
التركيز على المشاريع التنموية والتعليمية والثقافية بدلًا من التنافس السياسي فقط.
وضع آلية لمراقبة الأداء داخل المؤسسات التركمانية، لضمان الشفافية والكفاءة.
. الاستفادة من خبرات المثقفين والخبراء التركمان
- إشراك الأكاديميين والمثقفين في صياغة القرارات الاستراتيجية.
التركيز على الكفاءات في القيادة بدلًا من الاعتماد على الولاءات السياسية.
. رفض التدخلات الخارجية المفرطة
يجب الحفاظ على استقلالية القرار التركماني، وتجنب الانجرار وراء أجندات خارجية قد تضر بالمصالح الوطنية التركمانية.
في النهاية إذا استمر الانقسام الداخلي، فإن التركمان سيفقدون قوتهم السياسية وسيضعف تأثيرهم في مستقبل سوريا. الحل يكمن في الحوار الجاد، والإصلاح الداخلي، وضمان التعددية داخل المجلس التركماني، مع وضع مصلحة المجتمع التركماني فوق أي اعتبارات شخصية أو حزبية.
الدكتور مختار فاتح بي ديلي